فصل: مدة تحكم الملك الأشرف إينال

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


فكان أول المحرم الخميس‏.‏

ثم في يوم السبت ثالله وصل الأمير جانبك الظاهري أحد مقدمي الألوف من بندر جدة إلى الديار المصرية بعد أن حج وحضر الموسم بمكة وبات بتربة الملك الأشرف إينال بالصحراء وطلع إلى القلعة من الغد في يوم الأحد وخلع السلطان عليه ونزل إلى داره في موكب عظيم‏.‏

وفى يوم الخميس ثاني عشرين المحرم وصل أمير الركب الأول الأمير تنم الحسيني الأشرفي وخلع عليه السلطان وأصبح في يوم الجمعة وصل أمير حاج المحمل تمرباي ططر بالمحمل وخلع السلطان عليه أيضًا‏.‏

وفي يوم الجمعة سلخ المحرم وصل إلى القاهرة جماعة من الغزاة وأخبروا أن العساكر الإسلامية بأجمعها خرجوا من جزيرة قبرس في يوم الجمعة ثالث عشرين المحرم وساروا على ظهر البحر الملح يريدون السواحل الإسلامية فهبت ريح عظيمة شتتت شملهم وتوجهوا إلى عدة جهات بغير إرادة‏.‏

وكانت مركب هؤلاء وصلت إلى ساحل الطينة وأخبروا أيضًا بموت الأمير سودون قراقاش حاجب الحجاب‏.‏

ثم وصل من الغد بردبك غرب الأشرفي الخاصكي وأخبر بنحو ما أخبر به هؤلاء المماليك وأعلم السلطان أيضًا أن الأمير يونس الدوادار ترك بجزيرة قبرس جماعة من المماليك السلطانية ومماليك الأمراء قوة لجاكم صاحب قبرس وجعل مقدمهم جانبك الأبلق الظاهري الخاصكي وأن جماعة كبيرة توفوا إلى رحمة الله تعالى من عظم الوخم‏.‏

واستهل صفر يوم السبت‏.‏

ثم في يوم الأربعاء خامسه استقر الأمير كسباي المؤيدي السمين نائب القلعة في نيابة الإسكندرية بعد الأمير جانبك نائب بعلبك النوروزي فاستقر خيربك القصروي والي القاهرة نائب القلعة عوضًا عن كسباي المذكور بمال بذله في ذلك‏.‏

ثم في يوم الخميس سادس صفر استقر علي بن إسكندر والي القاهرة واستقر تنم من بخشاش الظاهري الخاصكي المعروف برصاص في حسبة قاهرة عوضًا عن علي بن إسكندر وكلاهما ولي بالبذل وتنم هذا هو أول تركي ولي الحسبة بالبذل ولم نسمع ذلك قبل تاريخه لا قديمًا ولا حديثًا‏.‏

وفي يوم الجمعة سابعه الموافق لخامس عشرين هاتور لبس السلطان القماش الصوف الملون المعتاد لبسه لأيام الشتاء وألبس الأمراء على العادة‏.‏

ثم في يوم السبت خامس عشره وصل المجاهدون جميعًا إلى ساحل بولاق وباتوا بالميدان الكبير عند بركة الناصرية وطلعوا إلى القلعة من الغد في يوم الأحد وقبلوا الأرض وخلع السلطان على الأمير يونس الدوادار أطلسين متمرًا وفوقانيًا بطرز زركش كما هي عادة خلعة الأتابكية فتعجب الناس من ذلك وقيد له فرسًا بسرج ذهب وكنبوش زركش‏.‏

ثم خلع السلطان على الأمير قانم المؤيدي أحد مقدمي الألوف فوقانيًا بطرز زركش‏.‏

وكذلك خلع على جميع الباشات من الأمراء‏.‏

ونزل الجميع في خدمة الأمير يونس الدوادار إلى بيته تجاه الكبش ثم عاد كل واحد إلى داره‏.‏

ثم في يوم الاثنين رابع عشرين صفر أنعم السلطان على الأمير يلباي الإينالي المؤيدي الأمير آخور الثاني بإمرة مائة وتقدمة ألف بعد موت سودون قراقاش بقبرس وأنعم بإقطاع يلباي المذكور وهو إمرة طبلخاناه على الأمير تمرباي من حمزة المعروف بططر وأنعم بإقطاع تمرباي ططر على جانبك الأشرفي قلقسيز فلم يقبله جانبك المذكور وأنعم به على الأمير قاني بك السيفي يشبك بن أزدمر وأنعم بإقطاع قاني بك المذكور وهو إمرة عشرة أيضًا على دولات باي الخاصكي الأشرفي المعروف بدولات باي سكسن أعني ثمانين ولم يكن دولات هذا أهلًا لذلك وإنما هي أرزاق مقسومة إلى البر والفاجر‏.‏

وفي يوم الخميس سابع عشرين صفر استقر الأمير بيبرس الأشرفى خال الملك العزيز يوسف حاجب الحجاب بالديار المصرية عوضًا عن سودون قراقاش بحكم وفاته بقبرس واستقر الأمير بردبك المحمدي الظاهري الهجين إلامي آخور الثالث أمير آخور ثانيًا عوضًا عن الأمير يلباي المقدم ذكره واستقر قراجا الطويل الأعرج الأشرفي أمير آخور ثالثًا عوضًا عن بردبك الهجين‏.‏

ثم في يوم الخميس رابع شهر ربيع الأول استقر الأمير مغلباي طاز الأبوبكري المؤيدي أمير حاج المحمل واستقر تنبك البواب الأشرفي الخاصكي أمير الركب الأول‏.‏

ثم في يوم الأحد سابع شهر ربيع الأول المذكور عمل السلطان المولد النبوي على العادة في كل سنة بالحوش السلطاني‏.‏

ثم سافر المقام الشهابي أحمد ابن السلطان إلى السرحة ومعه أخوه محمد من الغد في يوم الاثنين ثامنه إلى جهة الوجه البحري شرقًا وغربًا وسافر معه جماعة من الأعيان وأمراء العشرات‏.‏

ثم في يوم الخميس سادس عشره استقر علي بن الأهناسي وزيرًا بعد استعفاء الصاحب فرج بن النحال‏.‏

ثم في يوم السبت حادي عشرينه حبس السلطان القاضي صلاح الدين أمير حاج المكيني بحبس الرحبة وسبب ذلك أنه كان استبدل وقفًا فشكي عليه بسبب ذلك الوقف فرسم السلطان بحبسه فحبس إلى آخر النهار ثم أطلق من يومه بعد أن قرر عليه مبلغ من الذهب‏.‏

ثم في يوم السبت رابع عشر شهر ربيع الآخر نودي بزينة القاهرة لقدوم أولاد السلطان من السرحة ووصلا في يوم الثلاثاء ثامن عشر ربيع الآخر المذكور وشقا القاهرة فى موكب هائل وطلعا إلى القلعة وخلع عليهما والدهما السلطان الملك الأشرف إينال ثم نزلا في وجوه الدولة إلى بيت المقام الشهابي أحمد وهو إلاخ إلاكبر وأتابك العساكر بالديار المصرية‏.‏

وفي يوم الاثنين خامس عشرينه استقر إينال الأشقر الظاهري الخاصكي والي القاهرة بعد عزل علي بن إسكندر‏.‏

واستهل جمادى الأولى يوم الخميس‏.‏

في ثالله يوم السبت مرض السلطان الملك الأشرف إينال مرض الموت ولزم الفراش‏.‏

فلما كان يوم الاثنين خامسه وصل الأمير بردبك الدوادار الثاني والأمير ناصرالدين نقيب الجيش من الطينة وكانا توجها قبل تاريخه لينظرا مكان البرج الذي يريدون عمارته هناك‏.‏

ثم في يوم الاثنين ثاني عشره أرجف بموت السلطان ولم يصح ذلك وأصبح الناس في هرج وماجوا ووقف جماعة من العامة عند باب المدرج أحد أبواب القلعة فنزل إليهم الوالي وبدد شملهم‏.‏

ثم نودي في الحال بالأمان والبيع والشراء وأن أحدًا لا يتكلم بما لا يعنيه فسكن الأمر إلى يوم الأربعاء رابع عشره‏.‏

فلما كان ضحوة يوم الأربعاء المذكور طلب الخليفة والقضاة الأربعة إلى القلعة وطلعت الأمراء والأعيان واجتمعوا الجميع بالدهيشة فلم يشك أحد في موت السلطان فلم يكن كذلك بل كان الطلب لسلطنة المقام الشهابي أحمد قبل موته‏.‏

فلما تكامل الجمع خلع السلطان نفسه من السلطنة بالمعنى لأنه ما كان إذ ذاك يستطيع الكلام بل كلمهم بما معناه أن الأمر يكون من بعده لولده فعلموا من ذلك أنه يريد خلع نفسه وسلطنة ولده ففعلوا ذلك كما سيأتي ذكره في محله في أول ترجدة الملك المؤيد أحمد إن شاء الله تعالى‏.‏

ومات الأشرف إينال في الغد حسبما نذكره‏.‏

وكانت

 مدة تحكم الملك الأشرف إينال

هذا من يوم تسلطن بعد خلع الملك المنصور عثمان إلى هذا اليوم وهو يوم خلع نفسه من السلطنة ثماني سنين وشهرين وستة أيام‏.‏

ومات في يوم الخميس خامس عشر جمادى الأولى بعد خلعه نفسه بيوم واحد بين الظهر والعصر فجهز من وقته وغسل وكفن وصلي عليه بباب القلة من قلعة الجبل ودفن من يومه بتربته التي عمرها بالصحراء وقد ناهز الثمانين من العمر‏.‏

وكان جاركسي الجنس وقد تقدم الكلام على أصله وجالبه إلى القاهرة وكيفية ترقيه إلى أن تسلطن في أول ترجمته من هذا الكتاب‏.‏

وكانت صفته - رحمه الله - أخضر اللون للسمرة أقرب طوإلا غالب طوله من وسطه ونازل قصير البشت رقيق الوجه نحيف اليد لحيته في حنكه وهي شعرات بيض ولهذا كان لا يعرف إلا بإينال إلاجرود وفي كلامه رخو مع خنث كان في لهجته ولهذا لما لبس السواد خلعة السلطنة كان فيها غير مقبول الشكل لكونه أسمر اللون والخلعة سوداء فلم تبتهج الناس برؤيته ولذلك أسباب‏:‏ السبب الأول ما ذكرناه من صفته وسواد الخلعة والسبب الثاني وهو إلاغلب لقرب عهد الناس من شكل الملك المنصور عثمان الشكل الظريف البهي والفرق واضح لأن المنصور كان سنه دون العشرين سنة من غير لحية وهو في غاية الحسن والجمال - أحسن الله دونه - والأشرف إينال هذا سنه فوق السبعين وقد علمت صفته مما ذكرناه فلا لوم على من لا يعجبه شكل الأشرف إينال ولا عتب‏.‏

وكان له محاسن ومساوىء والأول أكثر‏.‏

فأما محاسنه فكان ملكًا جليلًا عاقلًا رئيسًا سيوسًا كثير إلاحتمال عديم السر غير سباب ولا فحاش في حال غضبه ورضاه‏.‏

وكان عارفًا بالأمور والوقائع والحروب شجاعًا مقدامًا كثير التجارب للخطوب والقتال عظيم التروي في أفعاله ثابتًا في حركاته ومهماته له معرفة تامة بملوك الأقطار في البلاد الداخلة في حكمه وفي الخارجة عن حكمه أيضًا عارفًا بجهات ممالكه شرقًا وغربًا وفهمًا بفنون الفروسية وأنواعها لا يحب تحرك ساكن ولا إثارة فتنة وعنده تؤدة في كلامه واحتمال زائد يؤديه ذلك إلى عدم المروءة عند من لا يعرف طباعه‏.‏

ومن محاسنه أنه منذ سلطنته ما قتل أحدًا من الأمراء ولا من الأجناد الأعيان على قاعدة من تقدمه من الملوك إلا من وجب عليه القتل بالشرع أو بالسياسة وأيضًا أنه كان قليلًا ما يحبس أحدًا أو ينفيه سوى من حبس في أوائل دولته من أعيان الأمراء كما هي عوائد أوائل الدولة‏.‏

ثم بعد ذلك لم يتعرض لأحد بسوء إلا انه نفى جماعة عندما ركبوا عليه ثانيًا في حدود سنة ستين وخلع الخليفة القائم بأمر الله حمزة بسبب موافقته لهم على قتاله ثم حبسه بالإسكندرية وهو معذور في ذلك ولو كان غيره من الملوك لفعل أضعاف ذلك بل وقتل منهم جماعة كثيرة‏.‏

وبالجملة فكانت أيامه سكونًا وهدوءًا ورياقة وحضور بال لولا ما شان سؤدده من مماليكه الأجلاب وفسدت أحوال الديار المصرية بأفعالهم القبيحة ولولا أن الله تعالى لطف بموته لكان حصل الخلل بها وربما خربت وتلاشى أمرها‏.‏

هذا ما أوردناه من محاسنه بحسب القوة والباعثة‏.‏

وأما مساوئه فكان بخيلًا شحيحًا مسيكًا يبخل ويشح حتى على نفسه‏.‏

وكان عاريًا من العلوم والفنون المتعلقة بالفضائل‏.‏

كان أميًا لا يعرف القراءة والكتابة حتى كان لا يحسن العلامة على المناشير هذا مع طول مكثه في السعادة والرياسة والولايات الجليلة ثم السلطنة‏.‏

ومع هذا لم يهتد إلى معرفة الكتابة على المناشير ولا غيرها فهذا دليل على بلادة ذهنه وجمود فكره‏.‏

ولعله كان لا يحسن قراءة الفاتحة ولا غيرها من القرآن العزيز فيما أظن‏.‏

وكانت صلاته للمكتوبات صلاة عجيبة نقرات ينقر بها لا يعبأ الله بها‏.‏

وكان مع هذه الصلاة العجيبة لا يحب التملق ولا إطالة الدعاء بعد الصلاة بل ربما نهى الداعي عن تطويل الدعاء‏.‏

ولم يكن بالعفيف عن الفروج بل ربما اتهمه بعض الناس بحب الوجوه والملاح والصباح من الغلمان والله تعالى أعلم بحاله إلا أنه كان يعف عن تعاطي المنكرات المسكرات‏.‏

وكان في الغالب أموره وأحكامه مناقضة للشريعة لا سيما لما أنشئت مماليكه الأجلاب فإنهم قلبوا أحكام الشريعة ظهرًا لبطن وهو راض لهم بذلك وكان يمكنه إرداعهم بكل ممكن ومن قال غير ذلك فهو مردود عليه وأحد أقوال الرد عليه قول من يقول‏:‏ فكيف سطوة السلطنة مع عدم قوته لرد هؤلاء الشرذمة القليلة مع بغض العالم لهم وضعفهم عن ملاقاة بعد العوام‏!‏ فكيف أنت بهم وقد ندب لهم طائفة من طوائف المماليك‏!‏ ومثل هذا القول فكثير‏.‏

وأيضًا رضاه بما فعله سنقر قرق شبق الزردكاش عند عمارته لمراكب الغزاة لأن سنقر فعل أفعإلا لا يرتضيها من له حظ في الإسلام وكان يمكنه رده عن ذلك بكل طريق بل كان يخلع عليه في كل قليل ويشكر أفعاله فرضاه بفعل مماليكه الأجلاب وبفعل سنقر هذا وأشباه ذلك هو أعظم ذنوبه‏.‏

وما ساء منه الناس وأبغضته الخلائق وتمنوا زوال ملكه إلا هذا المعنى ومعنى آخر وهو ليس بالقوي وهو ثقل وطأة ولده وزوجته ومملوكه بردبك الدوادار‏.‏

قلت‏:‏ وإلاصح عندي هو الذنب الأول‏.‏

وأما هؤلاء فكان ثقلهم على مباشري الدولة أن على من يسعى عندهم في وظيفة من ولاية أو عزل أو أمر من الأمور فعلى هذا كان ضررهم خصوصًا لا عمومًا وأيضًا لا يشمل ضررهم إلا لمن جاء إلى بابهم أو قصدهم في حاجة دنيوية فهو أحق بما يحل به لأنه هو الساعي في إيذاء نفسه والمثل يقول‏:‏ ‏"‏ من قتلته يديه لا بكاء عليه ‏"‏‏.‏

نعم وكان من مساوئه مخافة السبل في أيامه بالقاهرة وإلارياف حتى تجاوز الحد وعمرت الناس على بيوتهم الدروب لعظم خوفهم من دق المناسر وقطاع الطريق بإلارياف مع أنه كان قاطعًا للمفسدين غير أن الحمايات كانت كثيره فى أيامه وهذا أكبر أسباب خراب الديار المصرية وقراها ومن يوم تجددت هذه الحمايات فسدت أحوال إلارياف قبليها وبحريها وهذا البلاء ما كثر وفشا فى الدولة إلا بعد الدولة المؤيدية شيخ واستمرت هذه السنة القبيحة إلى يومنا هذا‏.‏

والعجب أنه ليس لها نفع على السلطان ولا على بلاده وإنما هي ضرر محض على السلطان والناس قاطبة والملك لا يلتفت إلى إزالتها مع أنه لو منع ذلك لم يضر أحد من الناس وانتفع الناس جميعًا بمنعها وعمرت غالب البلاد وتساوت الناس وبالمساواة تعمر جميع الممالك غير أن الفهم والعقل والتدبير منح إلاهية فلا يفيد الكلام في ذلك ولله در القائل‏:‏ الوافر لقد أسمعت لو ناديت حيًا ولكن لا حياة لمن تنادي ونار لو نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في الرماد وقد خرجنا عن المقصود‏.‏

ولما كثر فساد المماليك الأجلاب عمل بعض الظرفاء بليقًا ذكر فيه أفعال الأجلاب ومساوئهم واستطرد إلى أن قال في آخره‏:‏ حاشا لله دوام هذي النقمه ونحن أفضل برية من أمه نبينا ما حد مثلو أزاح عنا كيد الكفار وقد رمينا بيد إلاشرار فكل حد ماسك ديلو متى يزيح عنا هذي الدوله ويحكم الناس من لوصوله وترتاح البرية في عدلو فالله بجاه سيد عدنان عوض لنا منك بإحسان فوالله العظيم لم تمض عليه سنة بعد ذلك بل ولا ستة أشهرحتى مرض ومات‏.‏

فهذا ما ذكرناه من محاسن الملك الأشرف إينال ومساوئه ونرجو الله تعالى أن يكون ذلك على الآنصاف لا على التحامل‏.‏

السنة الأولى من سلطنة الأشرف إينال وهي سنة سبع وخمسين وثمانمائة‏.‏

على أن الملك المنصور عثمان حكم منها إلى ثامن شهر ربيع الأول‏.‏

وفيها أعني سنة سبع وخمسين المذكورة توفي الشهابي أحمد ابن الأمير فخر الدين عبد الغني بن عبد الرزاق بن أبي الفرج متولي قطيا في أوائل المحرم وهو في الكهولية‏.‏

وتوفي السلطان الملك الظاهر أبو سعيد جقمق العلائي الظاهري في ليلة الثلاثاء ثالث صفر ودفن من يومه حسبما تثدم ذكره في ترجمته مستوفاة في هذا الكتاب فلتنظر في محله‏.‏

وتوفي الأمير اسنبغا بن عبد الله الناصري الطياري رأس نوبة النوب في ليلة السبت سادس شهر ربيع الأول في أيام الفتنة وهو فى بيت الأمير قوصون وعليه آلة السلاح شبه الفجاءة‏.‏

وكانت مدة مرضه يومًا واحدًا وصلى عليه الأتابك إينال العلائي بدار قوصون المذكورة وجميع الأمراء وعليهم آلة السلاح ثم حمل ودفن من يومه في الصحراء ومات وهو في عشر الثمانين تخمينًا وكان من محاسن الدنيا كرمًا وعقلًا وشجاعة وتواضعًا ومعرفة‏.‏

كان كامل إلادوات قل أن ترى العيون مثله رحمه الله تعالى‏.‏

وتوفي الأمير جانبك بن عبد الله اليشبكي والي القاهرة ثم الزردكاش في ليلة الخميس ثامن عشر شهر ربيع الأول وهو في أوائل الكهولية ودفن من الغد‏.‏

وكان أصله من مماليك الأمير يشبك الجكمي الأمير آخور ثم اتصل بعد موته بخدمة السلطان ثم صار خاصكيًا في الدولة الأشرفية برسباي وصحب الصاحب جمال الدين يوسف ابن كاتب جكم ناظر الخواص فروجه في المملكة حتى صار ساقيًا في الدولة الظاهريه جقمق ثم تأمر عشرة بعد مده طويلة وصار من جملة رؤوس النوب ثم استقر والي القاهرة ثم أضيف إليه حسبة القاهرة في سنة أربع وخمسين ثم انفصل من الحسبة واستمر في الولاية سنين كثيرة إلى أن نقل إلى وظيفة الزردكاشية في الدولة المنصورية عثمان بعد انتقال الأمير لاجين الظاهري إلى شد الشراب خاناه وتولى عوضه ولاية القاهرة يشبك القرمي الظاهري فلم تطل أيامه زردكاشًا ومات في أوائل الدولة الأشرفية إينال حسبما تقدم ذكره‏.‏

وكان مليح الشكل متجملًا حسن المحاضرة رحمه الله تعالى‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين أرنبغا اليونسي الناصري أحد مقدمي الألوف بالديار المصرية في ليلة الجمعة تاسع عشر شهر ربيع الأول وسنه زيادة على السبعين وأنعم السلطان بتقدمته على الأمير دولات باي المحمودي الدوادار بعد مجيئه من السجن بمدة‏.‏

وكان أرنبغا هذا تتري الجنس من مماليك الملك الناصر فرج وهو أخو سونجبغا الناصري وأرنبغا هذا هو إلاكبر‏.‏

وتنقلت بأرنبغا هذا الأحوال إلى أن تأمر في دولة الملك الأشرف برسباي عشرة وصار من جملة رؤوس النوب وطالت أيامه وحج وجاور في مكة غير مرة ثم نقل في الدولة الظاهرية جقمق إلى إمرة طبلخاناه ثم صار في آوائل دولة الأشرف إينال أمير مائة ومقدم ألف فلم تطل مدته ومات في التاريخ المقدم ذكره‏.‏

وكان أميرًا شجاعًا مقدامًا عارفًا بالحروب وأنواعها إلا أنه كان مسرفًا على نفسه مع قلة تجمل في ملبسه ومماليكه وخدمه رحمه الله تعالى‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين سمام الحسني الظاهري الحاجب الثاني وأحد العشرات في ليلة الاثنين سادس شهر ربيع الآخر ودفن من الغد وسنه نيف على السبعين‏.‏

وكان رجلًا ساكنًا قليل الخير والشر لا للسيف ولا للضيف‏.‏

وتوفي الشيخ الإمام المعتقد الواعظ أبو السيادات يحيى ابن الشيخ المعتقد الواعظ شهاب الدين أحمد ابن الشيخ الإمام العارف بالله محمد وفاء الشاذلي المالكي المعروف بابن أبي الوفاء في يوم الأربعاء ثامن شهر ربيع الآخر ودفن بتربتهم بالقرافة الصغرى‏.‏

وكان جلس للوعظ والتذكير على عادتهم وصار على وعظه أنس وقبول من الناس إلى أن مات رحمه الله تعالى‏.‏

وتوفي قاضي القضاة بدرالدين محمد ابن القاضي ناصرالدين محمد ابن العلامة شرف الدين عبد المنعم البغدادي الحنبلي قاضي الديار المصرية ورئيسها في ليلة الخميس سابع جمادى الأولى ودفن من الغد وحضر الخليفة القائم بأمر الله حمزة الصلاة عليه بصلاة باب النصر وذفن بالتربة الصوفية وكانت جنازته مشهودة‏.‏

كثرأسف الناس عليه لحسن سيرته ولعفته عما يرمى به قضاة السوء‏.‏

ومات وهو في أوائل الكهولية‏.‏

وكان له اشتغال ومعرفة تامة بصناعة القضاء والشروط والأحكام وأما سياسة الناس ومحبته لأصحابه وكرمه وسؤدده فكان إليه المنتهى في ذلك‏.‏

وكان قامعًا لشهود الزور والمناحيس‏.‏

وبالجملة فكان بوجوده نفع للمسلمين رحمه الله تعالى‏.‏

وتوفي الأمير الوزير سيف الدين تغري بردي القلاوى الظاهرى قتيلًا في واقعة كانت بينه وبين سونجبغا الناصري وهي واقعة عجيبة لأنهما تماسكا على الفرسين فقتل الواحد الآخر ثم قتل الآخر في الحال كلاهما مات على فرسه وذلك في يوم السبت سادس عشر جمادى الأولى وقد ذكرنا واقعتهما في تاريخنا ‏"‏ حوادث الدهور ‏"‏ مفصلًا فلينظر هناك‏.‏

وكانت نسبته بالقلاوي إلى ناحية قلا لما كانت إقطاعًا لأستاذه الملك الظاهر جقمق لما كان أميرًا ولم يكن تغري بودي هذا مشكور السيرة في ولايته عفا الله تعالى عنا وعنه‏.‏

وتوفي الأمير سونجبغا اليونسي الناصري ببلاد الصعيد في وقعته مع تغري بردي القلاوي في يوم واحد حسبما تقدم ذكره وسنه زيادة على الستين‏.‏

وهو أخو أرنبغا المقدم ذكره غير أن أرنبغا كان مشهورًا بالشجاعة وإلاقدام وسونجبغا هذإلا شجاعة ولا كرمًا‏.‏

وتوفي الشيخ عز الدين محمد الكتبي المعروف بالعز التكروري في يوم الأربعاء سابع عشرين جمادى الأولى‏.‏

وكان معدودًا من بياض الناس له حانوت يبيع فيه الكتب بسوق الكتبيين وكانت له فضيلة بحسب الحال‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين دولات باي المحمودي المؤيدي الدوادار كان وهو أحد مقدمي الألوف في يوم السبت أول جمادى الآخرة ودفن بالصحراء خارج القاهرة من يومه وسنه أزيد عن خمسين سنة‏.‏

وكان جاركسي الجنس جلبه خواجا محمد إلى الإسكندرية فاشتراه منه نائبها الأمير آقبردي المنقار وبلغ الملك المؤيد شيخا ذلك فبعث طلبه منه فأرسله إليه فأعتقه المؤيد أن كان آقبردي ما كان أعتقه وجعله خاصكيًا ثم ساقيًا في أواخر دولته‏.‏

فلما تسلطن الملك الأشرف برسباي عزله عن السقاية‏.‏

ودام خاصكيًا دهرًا طويلًا إلى أن صحب الأمير جانم الأشرفي قريب الملك الأشرف برسباي ثم صاهره فتحرك سعده بصهارة جانم المذكور‏.‏

ولازال جانم به إلى أن نفعه بأن توجه بتقليد نائب صفد وخلعته بعد أن كان خلص له إمرة عشرة من الملك الأشرف مع بغض الأشرف في دولات باي هذا‏.‏

فلما أمسك جانم مع من أمسك من أمراء الأشرفية لم ينفعه دولات باي المذكور بكلمة واحدة هذا إن لم يكن حط عليه في الباطن ولا استبعد أنا ذلك لقرائن دلت على ذلك‏.‏

ولما تسلطن الملك الظاهر جقمق استقر بدولات باي هذا أمير آخور ثانيًا بعد مسك الأمير نخشباى الأشرفي وحبسه‏.‏

ثم نقل دولات باي بعد أيام إلى الدوادارية الثانية بعد الأمير أسنبغا الطياري بحكم انتقاله إلى إمرة مائة وتقدمة ألف كل ذلك في سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة‏.‏

فباشر دولات باي الدوادارية بحرمة وافرة ونالته السعادة وأثرى وجمع إلاموال الكثيرة وعمر إلاملاك الهائلة إلى أن أنعم عليه السلطان بإمرة مائة وتقدمة ألف في صفر سنة ثلاث وخمسين بعد موت الأمير تمراز القرمشي الظاهري فلم تطل أيامه في التقدمة‏.‏

وولي الدوادارية الكبرى بمال بذله نحو العشرة إلاف دينار عوضًا عن قاني باي الجركسي بحكم انتقاله إلى الأمير آخورية الكبرى بعد موت الأمير قراخجا الحسني‏.‏

ولما ولي الدوادارية الكبرى خمدت ريحه وانحطت حرمته بالنسبة إلى ما كانت عليه أيام دواداريته الثانية والسببية واضحة وهي أنه كان أولًا مطلوبًا والآن صار طالبًا‏.‏

ثم سافر دولات باي أمير حاج المحمل بعد مدة وكان وليها مرة أولى في سنة تسع وأربعين فهذه المرة الثانية في سنة ست وخمسين وعاد في سنة سبع وخمسين وقد خلع الملك الظاهر جقمق نفسه من الملك وسلطن ولده الملك المنصور عثمان فأقام في دولة المنصور دوادارًا على حاله وقد خاف من صلير الصافر‏.‏

فلم يكن بعد أيام إلا وقبض عليه في يوم الخميس ثاني عشر صفر من السنة المذكورة وحمل إلى الإسكندرية فحبس بها شهرًا وأيامًا‏.‏

وأطلقه الملك الأشرف إينال وأحضره إلى القاهرة ثم أنعم عليه بعد مدة بإقطاع الأمير أرنبغا اليونسي فلم تطل أيامه إلا نحو الشهر ومرض ومات في التاريخ المقدم ذكره‏.‏

ولقد قال لي بعض الحداق إن سبب موته إنما كانت طربة يوم أمسك ودامت الطربة إلى أن قتلته‏.‏

قلت‏:‏ وأنا لا أستبعد هذا لما كان عنده من الجبن والحدر وعدم إلاقدام‏.‏

على أنه كان مليح الشكل متجملًا في ملبسه ومركبه وقورًا في الدول إلا أنه لم يشهر بشجاعة ولا كرم في عمره‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين قانصوه بن عبد الله النوروزي أحد أمراء دمشق بها في أواخر جمادى الأولى وله من العمر نحو الستين سنة تخمينًا‏.‏

وكان أصله من مماليك الأمير نوروز الحافظي نائب الشام وصار خاصكيًا بعد موته في الدولة المؤيدية شيخ ثم تأمر عشرة بعد موت المؤيد ثم صار أمير طبلخاناه في دولة الظاهر ططر ودام على ذلك سنينًا كثيرة إلى أن أخرجه الملك الأشرف برسباي إلى نيابة طرسوس ثم نقله إلى حجوبية حلب ثم تقدمة ألف بدمشق‏.‏

ثم خرج على الملك الظاهر جقمق ووافق الأمير إينال الجكمي على العصيان فلما كسر الجكمي اختفى قانصوه مدة ثم ظهر وتنقل أيضًا في عدة أماكن وهو في جميع ما يتحرك فيه مخمول الحركات إلى أن مات‏.‏

وكان مليح الشكل وعنده شجاعة ومعرفة برمي النشاب إلا أنه كان خاملًا ما أظنه ملك في عمره ألف دينار ولولا الحياء لقلت ولا سلاريًا ثانيًا وفي هذا كفاية‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين قشتم بن عبد الله المحمودي الناصري نائب البحيرة قتيلًا في واقعة كانت بينه وبين العربان الخارجة عن الطاعة في أواخر شهر رجب وقد ناهز الستين من العمر‏.‏

وكان أميرًا جليلًا عاقلًا حشمًا وقورًا شجاعًا مقدامًا كريمًا متواضعًا مليح الشكل وهو ممن جمع بين الشجاعة والكرم والتواضع رحمه الله تعالى‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين بيغوت بن عبد الله من صفر خجا المؤيدي الأعرج نائب صفد بها في أواخر شعبان وقد جاوز الستين‏.‏

وكان أصله من مماليك المؤيد شيخ في أيام إمرته وصار خاصكيًا بعد موته إلى أن نفاه الملك الأشرف برسباي إلى الشام ثم أنعم عليه بإمرة طبلخاناه بدمشق ثم ولي نيابة حمص في أوائل دولة الملك الظاهر جقمق مدة ثم نقل إلى نيابة صفد دفعة واحدة بعد الأمير قاني باي الأبوبكري الناصري البهلوان بحكم توجهه إلى نيابة حماة ثم نقل بيغوت هذا إلى نيابة حماة ووقع له مع أهل حماة أمور وشكاو آلت إلى تسحبه من حماة وتوجهه إلى ديار بكر بعد أن امسك ولده إبراهيم بالقاهرة وحبس‏.‏

ووقع له أيضًا بديار بكر أمور ومحن وأمسك وحبس بقلعة الرها ثم أطلق وعاد طائعًا إلى السلطان الملك الظاهر جقمق وقدم القاهرة ثم عاد إلى دمشق بطالًا إلى أن أنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بها بعد موت الأمير بردبك العجمي الجكمي فدام على ذلك إلى أن نقله الظاهر إلى نيابة صفد ثانيًا بعد موت يشبك الحمزاوي فدام بصفد إلى أن مات رحمه الله في التاريخ المقدم ذكره‏.‏

وكان رجلًا دينًا مشهورًا بالشجاعة وإلاقدام وقورًا في الدول‏.‏

وتولى نيابة صفد بعده إياس المحمدي الناصري الطويل‏.‏

وتوفي الشيخ المعتقد الصالح درويش وقيل محمد وقيل غيبي الرومي بظاهر خانقاه سرياقوس في يوم الاثنين ثالث ذي القعدة ودفن شرقي الخانفاه المذكورة‏.‏

وكان أصله من آقصراي وكان مليح الشكل منور الشيبة لا يدخر شيئًا وحج غير مرة من غير زاد ولا راحلة وهو أحد من أدركناه من الفقهاء الصلحاء رحمه الله تعالى‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين حطط بن عبد الله الناصري أتابك طرابلس بها في أوائل ذي الحجة وكان ولي نيابة قلعة حلب ثم نيابة غزة كل ذلك بالبذل فإنه كان لا للسيف ولا للضيف‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين علي باي من طراباي العجمي المؤيدي أتابك حلب بها في أواخر ذي الحجة وهو في عشر الستين‏.‏

وكان أصله من مماليك المؤيد شيخ وبقي خاصكيًا أيام المؤيد ودام خاصكيًا عدة دول إلى أن أنعم عليه الملك الظاهر جقمق في أوائل دولته بإمرة عشرة وجعله من جملة رؤوس النوب وصار له كلمة في الدولة وتوجه في الرسلية من السلطان إلى أصبهان بن قرا يوسف صاحب بغداد ثم بعد عوده إلى القاهرة بمدة نفاه الملك الظاهر إلى حلب على إمرة مائة وتقدمة ألف ثم نقل على أتابكية حلب بعد سودون الأبوبكري المؤيدي لما ولي نيابة حماة فدام علي باي على ذلك إلى أن توفي‏.‏

وكان مليح الشكل فصيح العبارة عارفًا بأنواع الفروسية كريمًا جوادًا إلا أنه كان مجازفًا كذوبًا مسرفًا على نفسه عفا الله عنه‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أعني القاعدة ثمانية أذرع وخمسة أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعًا واثنان وعشرون إصبعًا‏.‏